بدور ملكة الزهور
حقيقة تردت كثيرا" قبل
أن أكتب هذه القصة ، لأنني على يقين بأنني لن أستطيع أن أعطي هذه السيدة في بضع
السطور والكلمات هذه حقها في التعبير عنها .
بدور، سيدة في الستينات من عمرها ، من المفترض أن اقول بأنها عجوز ،
ولكن فعلا" لا يجوزمطلقا" أن تلقب بالعجوز، عفوا" بل يجوز فإذا
نظرت إلى ملامح وجها ترى بوضوح تام وعلى بعد عدة مترات تلك التجاعيد . وتلاحظ حركات
جسدها الثقيلة .
لكنها فعلا" روحها روح شابة في العشرينات من عمرها ، مفعمة
بالعطاء ، والحيوية والنشاط .
بمجرد أن تدخل منزلها تستقبلك ورودها المغروسة هنا وهناك ، تجلس تحت
شجراتها التى تحتك بنسمة الهواء لتخبرك قصة سيدة عانت من صدمات
نفسية كثيرة ، لكنها كانت كما يقال كجبل شامخ .....
سنسرد قصة هذه السيدة وسأكتب بالحروف العربية ذكريات حياة هذه السيدة
:
كانت السيدة بدور تعيش في منزل بسيط مع عائلتها المؤلفة من أم واب و10
أخوة شباب وأخت شابة حياة فقر ولكن تحت شعار عزة النفس والكرامة .
في ال16 سنة من عمرها توفي والدها ، نظرا" لكونها الأكبر في
الأسرة خرجت تعمل في مجال الزارعة نهارا" ، وتمارس مهنة الخياطة ليلا"طبعا"
بهدف مساعدة والداتها في تأمين الحد الأدنى من مستلزمات العيش والحياة .
بعد سنة من وفاة الأب فوجعت بدور،
مرة ثانية بوفاة أخواتها الشبان أثناء إندلاع حرب الأحزاب .
في العشرينات من عمرها ، تزوجت ، ومنذ اليوم الأول لزفافها لعبت دور مقدمة الرعاية لعجوزين مقعدين في المنزل( اب وام الزوج ) .
استمرت حياتها بين يوم جميل وأخركئب وما لبثت أن تأقلمت على مهماتها
اليومية حتى في يوم من الأيام أنجبت طفل
مصاب بأعاقة عقلية وجسدية ولم تتزمر، بل على العكس أعتبرته كل حياتها ، ووصفته
بمصدر الألهام والأمل ....
وجاء اليوم الذي توفي فيه زوجها ، فعادت ولعبت دور الأم والأب في نفس
الوقت ل 10 أطفال ، من بينهم الطفل المصاب بالإعاقة و طفلة لم تبلغ
بضع شهور من عمرها . ......
وقفت مطول هنا ، في هذا السطر بالذت لأنني لا أملك ولا حرف يقال ...
شعرت بثقل كبير وانا أكتب قصة هذه السيدة ، بثقل لمجرد دقائق معدودة ،
أحسست لبعض الوقت بحمل كالجبال فوق رأسي ،
فكيف بحال هذه السيدة؟ فكم تحملت هذه
السيدة على مدار ستين سنة من عمرها من معاناة وتعب ، من لعب أدوار كثيرة (لعبت دور
الأب بأمتياز ، دور مقدمة الرعاية لعجوزين
بأمتياز ، وطفل مصاب بالإعاقة بجدارة ، كما
أنها مارست دور الأمومة بكل عطف وحنان
وفخر ) .
كل الإحترام لك سيدتي .....
أراها الأن وأن أكتب قصتها هنا في هذه اللحظة بالرغم من كبر سنها ، وحجم المسؤوليات التي تقع على عاتقها ، مازالت تعشق الحياة ، مازالت قادرة
على العطاء ، ما زالت تزرع الزهور .........
فإذا أردنا أن نتأمل ونتناقش في قصة بدور ، ما علاقة زراعة الزهور
بشخصية السيدة بدور ، هل هو مجرد أسلوب حياة ؟ ام هو كما يقال منفس وفسحة أمل تعبر
من خلالها السيدة بدور عن ألامها وأوجاعها ؟ وبالفعل كم من درس علمتنا هذة السيدة
أذا دخلنا في مجال التحليل النفسي ؟ عن الإستقرار والثبات والمرونة في التعامل مع
المواقف .

Comments
Post a Comment